التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أنت ابن بيئتك.. تحرر| صلاح العياشي

 أنت ابن بيئتك؛ تحرر!

 


وإنك يا هذا ابن بيئتك، فهي تتشكل فيك، وأنت تتقولب داخلها، وبها تُعرف، وأثرها عليك بالغ، وتأثرك بها كبير، فما أنت بفكرك إلا صنيعة تلك المدخلات، التي رافقتك منذُ الخلق الأول، وإنها على حالها هذا باسطة ذراعيها عليك ما قدرت، فتراها قد طوعت مُعتقدك ليتناسب معها، وليمضي على أثرها.


- إن خطورة تَطبع “الهوية البيئية “يكمن في طريقة تشكلها، لا في ذاتها، فهي لا تظهر فجأة، فيدرك أمرها، ويتحاذر منها، وإنما بالتدرج والتراكم شيئًا فشيئًا، لتساهم العوامل الخارجية -وأهمها السياسية- في صناعتها، لتتكون بعد ذلك هويتك الثقافية.


- وإن العلوم الإنسانية؛ بما فيها العقائد الدينية تَشوبها الكثير من التفسيرات، التي تقود إلى تصرفات وسلوكيات لا صلة لها بالعقيدة، وإنما صقلها العامل البيئي، والتراكم الثقافي! ونضرب لذلك مثلًا، (المسلم) يستطيع أن يتحول إلى متطرف -إذا أراد- وسيجد في دينه ومعتقده من الدلائل والمقولات ما يدعم توجهه هذا، وبسهولة ويسر، فهو يشرع في بحثه عن الأدلة، ليس من منطلق الباحث عن الحقيقة، وإنما من تَطبع سابق، وشهوة دافعة، لتأكيد قوله ورأيه، وعلى ذلك فإنه واجدٌ لمطلبه أدلة يستطيع تحويلها وتمييعها لتوافق فكرته ومذهبه، ولو اضطره الأمر إلى التحريف!


- ومثله كذلك “العلماني العربي“ فإنه قادرٌ على تطويع الأدلة والمعتقدات لتغدو متناسبة مع هواه، كأن يكون مسالمًا أبدًا، أو محاربًا أبدًا، فالأفعال التي سيتجه إليها (الباحثون) هُنا قائمة على تفسيراتهم الشخصية، لا تفسيرات الحقيقة العقدية، فهي لا تعني بالضرورة الصورة الذاتية للدين، ولا المراد الفعلي للدليل، وإنما تعني قدرتهم العالية على تطويع الأدلة وتحريفها؛ وفقًا لهواهم.


 - إلا أن الأمر يختلف عندما يكون هناك نزعٌ بيئي وهوىً شخصي غير ما يدعو إليه المعتقد، فالعلمانية حينها بهدوئها المزعوم ستكون عاجزة عن صد ذلك الهوى، فمثلًا لا يقدر أحد يضمن أن تطبيق العلمانية -تَرك الدين- على واقع المجتمع العربي اليوم -وقد طُبقت- سيوقف الاحتراب، وسيَحد من الأزمات، فلطالما كانت الحروب الظالمة التي يقودها النظام الغربي، ومثله طغيان الأنظمة العربية مع شعوبها؛ برعاية العلمانية.


- ومن هذا نستفيد أن تطبيق العقائد والنظريات؛ كما منصوص عليها يحتاج إلى تجردٍ كبيرٍ، واستقلاليةٍ صادقة؛ من أي هوى آخر، ثم بعدها نذهب للنبع الصافي، قبل تدخل عامل “الثقافة الغالبة“، عند ذلك فقط سنرى المسلم قويًا ذلك أن دينه يدعوه للاستعلاء عمومًا! وسنرى “العلماني“ ضعيفًا لأن فكرته عن الدين تدعوه للمهادنة والسلام عمومًا، وهذا من أبرز الاختلافات بين الفريقين.


- إذن “البيئة المحيطة “أو “الثقافة الغالبة“ تساهم بفاعلية في صناعة الآراء والأفكار، وتطويع المعتقدات حتى تلك التي توصف بالثابتة لما يتناسب مع الحال والواقع، لذلك من الضرورة عند أي بحث أو تقصٍ أن يَحرص صاحبه على التخلي عن الهوى الشخصي، ومقاومة الثقافة الغالبة، والتجرد قدر الإمكان، ليخرج إلى رأي صحيح صائب، وهذا يتطلب جهد كبير، وتنبهٍ حاذق يعينه على تجريد ما خلفته “البيئة المحيطة“ في المعتقد من إضافات؛ باتت مع الزمن من خصائصه، وتراكمات ثفاقية، غدت سمة وهوية قومية!


- فإن العودة للأصل الأول لأي فكرة؛ أمرٌ مطلوب، ثم المقارنة بين ما هو مستحدث بدعي فرضته سياسة وثفافة الغالب، ومستحدثٍ آخر فرضته حاجة الواقع والزمان والمكان، دون تدخل خارجي غالب، مع الأصل الذي جاءت به الشريعة، فيأخذ الأحسن ويدع ما دونه، وختامًا احرص على أن تكون مدخلاتك صحيحة سليمة، لتكون مخرجاتك كذلك، وتضمن سلامة قولك ومذهبك.


#ص_ع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعه كتاب محاوله لفهم السيره النبويه د/مصطفى محمود

- مراجعه #كتاب_محاوله_لفهم_السيره النبويه  د/ مصطفى محمود  . - من قـرأ كتاب عبقرية محمد #لعباس العقاد  سيتبين له ان  هذا الكتاب جاء كـرد له ولو لم يقل الكاتب هذا في سطور كتابه تص...

إعلامنا المتغرب وتغييب الهوية.

- إعلامنا المتغرب، وتغيّيب الهوية! #صلاح_ العياشي لطالما سمعناهم يقولون إن الإعلام هو ما يمثل وجه الشعوب وثقافاتها، إلا أن ذلك ما لم ينطبق على إعلامنا، فهو من الإعداد حتى الإخراج، ومن التحضير حتى التنفيذ، وهو يمثلُ وجه الغرب وثقافته، وأسلوب حياته، ونمط معيشته، وهذا الأمر لا يخفى على كل متابع فَطِن، فغالب ما ينشرونه مخالفٌ لقيمنا ومبادئنا الإسلاميةط وعاداتنا وتقاليدنا العربية، تلك التي تميزنا عن غيرنا من الأمم والشعوب، وتجعلنا الأفضل؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. )) فوصف الله لنا بالخيرية ليس لاحتوائنا ثقافات الغرب وعاداتهم، ولا لإعلائنا لتقاليدهم، لا! ولكن بانتمائنا لهذا الدين الحنيف! - لذلك اسمحوا لي هنا أن أطلعكم على جانبٍ من صورة إعلامنا المهترئة ،وكيف أصبح غربياً بامتياز من رأسه حتى أخمص قدميه، فقلدوهم في كل شيء!  إلا أن شيئاً واحدًا ما رأيناهم قد قلدوهم فيه وهو “الرأي والرأي الآخر“ فهذا محرمٌ على إعلامنا ولا نية عنده لتقليدهم فيه ! التميع والتفسخ، فهم السَّباقون إلى ذلك وقنواتنا في تنافس شديد على من #يتفسخ_أكثر! - ومن ذلك التفسخ ظهور النساء م...

كيف يكون أسلوبي بديع في الكتابة؟

 أولا صناعة الفقرة، ثم الربط بين الفقرات  وفي صناعة الفقرة، عليك بصناعة الجملة، والربط بين الجمل  وعند صناعة الجملة عليك بانتخاب الكلمات والربط بينها، وترديد النظر في تناغم حروفها، وقياس طول الجملة  وعليك بالجملة المربوعة (القصيرة بحروفها السمينة بمعانيها). إذا طابت كلماتك طابت جملتك، وإذا طابت جملتك طابت فقرتك، وإذا طابت فقراتك طابت صياغتك . T.me/katebyemeni