الحمدُ للهِ على نعمةِ الأُم، وله الشكر على نعمة الأمومة، ثم أني لا أَظنُّ أحدٌ يقدرُ -لا قَبْلِي ولا بَعْدِي- أن يُوفِيَ الأمَّ حقَّها، كلا! ولا بمقدور أكبر كاتب أن يصف عظيم فضلها، وجليل قدرها، وكبير صُنعها، وأُقْسِمُ غَيرَ حانثٍ؛ أنه لن يستطيعْ أيُ خطيبٍ في هذه المعمورة مهما بلغ من الإجادة والإحسان، والبلاغة والإتقان أن يُحدثك عن جميل صبر الأم، وعن بالغ عطفها وحبها ولُطْفِهَا، وعن شريف جهادها وتَحامُلِها لِتُكَوِّنَ البطل الذي ترتضيه وترضاه، والرجل الذي تُفَاخِرُ به الدنيا، وتُزَاحِمُ به الكون، الرجل الذي وإن كَبُرَ فإنه في عينها طفلا، وأمام الناس مَلِكًا! فالأم النور الذي ستجده نهاية النفق، وهي التي كانت في بِدَايَتِه! وهي الوقود الذي يسير معك ويُسيِّرُك. بماذا سَنَنْعَتُها فواللهِ عَجِزْنَا، وما وفاها حقها سوى اللهُ، يوم قَرَنَ طاعتَه، بطاعتِها، تشريفًا وتعظيمًا، قال تعالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فَقَدَّرَ أن تكون طاعة الوالدين أمرٌ تابعٌ لِطاعة الله، والْحَمْدُ ِلله. أَيَا أُمِّي منكِ أنا، وبكِ، وإليكِ،...
أنت ابن بيئتك؛ تحرر! وإنك يا هذا ابن بيئتك، فهي تتشكل فيك، وأنت تتقولب داخلها، وبها تُعرف، وأثرها عليك بالغ، وتأثرك بها كبير، فما أنت بفكرك إلا صنيعة تلك المدخلات، التي رافقتك منذُ الخلق الأول، وإنها على حالها هذا باسطة ذراعيها عليك ما قدرت، فتراها قد طوعت مُعتقدك ليتناسب معها، وليمضي على أثرها. - إن خطورة تَطبع “الهوية البيئية “يكمن في طريقة تشكلها، لا في ذاتها، فهي لا تظهر فجأة، فيدرك أمرها، ويتحاذر منها، وإنما بالتدرج والتراكم شيئًا فشيئًا، لتساهم العوامل الخارجية -وأهمها السياسية- في صناعتها، لتتكون بعد ذلك هويتك الثقافية. - وإن العلوم الإنسانية؛ بما فيها العقائد الدينية تَشوبها الكثير من التفسيرات، التي تقود إلى تصرفات وسلوكيات لا صلة لها بالعقيدة، وإنما صقلها العامل البيئي، والتراكم الثقافي! ونضرب لذلك مثلًا، (المسلم) يستطيع أن يتحول إلى متطرف -إذا أراد- وسيجد في دينه ومعتقده من الدلائل والمقولات ما يدعم توجهه هذا، وبسهولة ويسر، فهو يشرع في بحثه عن الأدلة، ليس من منطلق الباحث عن الحقيقة، وإنما من تَطبع سابق، وشهوة دافعة، لتأكيد قوله ورأيه، وعلى ذلك فإنه واجدٌ لمطلبه أ...